كانت ولا تزال مهنة المحاماة هي المهنة التي تدافع عن المظلوم، وتساهم في تطبيق النظام، وتكون سندا ًوعوناً للقضاة في أظهار الحقائق والأدلة لإعطاء كل ذي حق حقه، وتحقيق العدالة وتأكيد سيادة القانون.

المحامون هم من يطلق عليهم أهل “القضاء الواقف”، ولقد تم ذكر هذه المهنه قياساً لمفهومها ولما تتطلبه من فصاحة لسان في القرآن الكريم، حينما طلب سيدنا موسي عليه السلام إرسال أخوه هارون معه لفرعون لفصاحة لسانه “وأخي هارون هو أفصح مني لساناً فأرسله معي…”، فالاستعانة بمن لديه فصاحة لسان لأظهار الحق أمر مقبول شرعاً بشرط مخافة الله عز وجل وعدم أكل أموال الناس بالباطل لقول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم حينما سمع خصومة باب حجرته الشريفة، فخرج إليهم وقال “إنما أنا بشر، وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها”.

وهذه المهنة القديمة تحتاج إلى عدد من المقومات والمهارات الشخصية، منها فصاحة اللسان والفراسة وسرعة البديهة والدقة في اختيار الألفاظ وتكوين الجُمل والحكمة والإطلاع والثقافة الواسعة والثقة بالنفس والعزيمة والقدرة على الكتابة والإبداع الفكري والعدل والإنصاف في الطرح. وبالنظر إلى موافقة مجلس الوزراء الموقر برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز “أيده الله” على تنظيم الهيئة السعودية للمحامين، الذي يعد إنجازاً تاريخياً لتطوير هذه المهنة بالمملكة، إلا أنه يقع على عاتق هذه الهيئة كثير من العمل والجهد للارتقاء بالمحامي بحيث يكون هناك جودة أعلى ليساهم في تطوير مرفق القضاء ويصب في مصلحة الوطن.

وبالنظر إلى احتياج سوق العمل السعودي، فإن فكرتي تتلخص في محورين رئيسين، الأول فيما يخص المحامي نفسه، والمحور الثاني الحاجة إلى مكاتب المحاماة الدولية.

فسوق العمل يحتاج إلى محامين ذوي قدرة على الإبداع والعطاء، وهذا لا يكون إلا بوجود تعليم قانوني وحقوقي جيد إضافة إلى الخبرة كافية، حيث استحدثت الجامعات السعودية برامج تتوافق مع احتياجات سوق العمل من المحامين، ولكن تكمن الإشكاليه فيما يخص الخبرة، إذ تحتاج الهيئة السعودية للمحامين للرفع بالتوصيات من أجل تعديل النصوص الخاصة بسنوات الخبرة الكافية لمنح التراخيص، ليكون هناك مدد أعلى ومقسم ومدرج على أنواع ودرجات المحاكم لمن يرغب في الترافع أمامها.

فمثلاً، نجد أن الخريج الجديد في الدول الغربية يعطى تصريح مزاولة المهنة للترافع أمام محاكم أول درجة لعدد من السنوات قد لا يقل في الغالب عن 3 سنوات ويطالب بتقديم عدد من الاختبارات من أجل الترقي، ثم يتم ترقيته والسماح له بالحصول على الترخيص للترافع أمام المحكمة الأعلي لعدد من السنوات الأخرى، وتزداد مدة السنوات المطلوبة كلما تمت ترقية المحامي من مرتبة إلى مرتبة أعلي لنجد أنه قد يتطلب خبرة لا تقل عن 10 سنوات للترافع أمام المحاكم العليا وبحيث يكون له الأثر القانوني الإيجابي ليكون هناك إثراء وتتطور للمهنة ويكون هناك ايضا إضافة من قبل المنتسبين إليها. وفيما يخص مكاتب المحاماة الدولية، نجد أن هناك حاجة ماسة للخدمات التي تقدمها وطريقة عملها والأسلوب المتبع وفقاً للمتطلبات واحتياجات السوق الاستثمارية.

ولكي يتم السماح لهذه المكاتب الدولية بالعمل بشكل نظامي لابد من التفريق من وجهة نظري بين أعمال المحاماة وبين تقديم الاستشارات القانونية المكتبية.

فأعمال المحاماة يمكن أن تستمر محصورة في الترافع أمام جهات القضاء المختلفة التي تتطلب أن يكون مواطناً سعودياً ليمارس هذه المهنة، وفيما يخص الاستشارات القانونية، فيمكن السماح لشركات المحاماة الدولية الكبري والمعروفة بممارستها وفقاً لضوابط واشتراطات معينة، وبالتالي يمكن أن يسمح لتلك المكاتب بالعمل في المملكة والترخيص لها وفقاً لأليات محددة، بحيث يفرض عليها نسب سعودة عالية وبحيث يتم تدريب مواطنين سعوديين بما يتوافق مع احتياجات سوق العمل والأستثمار.. وبحيث تقوم تلك الشركات بالوفاء بالتزاماتها النظامية من ضرائب سنوية ورسوم مقابل قيامها بتقديم خدماتها داخل المملكة، على ألا يسمح بمن يقوم بالمرفعة والمدافعة والمتابعة أمام القضاء إلا لمن هو حاصل على رخصة مزاولة مهنة المحاماة كما اشرنا إليه مسبقاً.

أن دخول تلك الشركات الدولية سيعطي نقلة نوعية في الخدمات القانونية المقدمة داخل المملكة، لما يكون له مساهمة فاعلة في تطوير الخدمات المرتبطة بعملية التقاضي، والخدمات الاخرى ذات الصلة بالخدمات القانونية والاستشارية وما يسمح بإضافة الجديد والاستفادة باكتساب الخبرات الدولية القانونية بما يتوافق مع الشريعة الاسلامية وعاداتنا وتقاليدنا وثقافتنا وبما يتناسب مع أنظمة الدولة في هذا المجال.


المصدر: صحيفة الرياض العدد 17345 مقالة لـ د. عبدالله بن محمد مطر